في زمن لم تكن فيه المدن مزدحمة كما هي اليوم، ولم تكن التكنولوجيا قد استحوذت على حياتنا، كان الصيف في الإمارات مرتبطًا بالمقيض، حيث يهرب الناس من حرارة المدن إلى أماكن أكثر اعتدالًا، مثل خصب، التي كانت وجهة مفضلة للعائلات الإماراتية، وخاصة من رأس الخيمة. لم تكن هذه الرحلات مجرد استراحة من الحر، بل كانت نمط حياة مليئًا بالألفة والترابط الاجتماعي.
خصب في الثمانينات: حياة بسيطة بمعانٍ عميقة
كانت خصب في تلك الفترة ملاذًا طبيعيًا تحيط به الجبال ومزارع النخيل، حيث يجتمع الأهل والأصدقاء تحت ظلال الأشجار، يجلسون على البساط التقليدي، يتشاركون الطعام والقصص والضحكات. لم تكن هناك حاجة لمكيفات الهواء أو الهواتف الذكية، فكان النسيم العليل والمياه العذبة من الأفلاج والآبار كافيين لتلطيف الأجواء.
كانت الجلسات مليئة بالحياة، يتناولون الفواكه الطازجة مثل الموز والتمر، ويرتشفون القهوة والشاي بينما يدور الحديث حول الذكريات والحكايات القديمة. كان الأطفال يمرحون بين النخيل، والكبار يتبادلون الأخبار والنصائح في أجواء من المحبة والاحترام.
استذكار الأهل والأصدقاء
هذه الصورة التقطت خلال إحدى زياراتنا إلى خصب في منتصف الثمانينات، وهي توثق لحظة من الصفاء والبساطة التي جمعت مجموعة من الأهل والأصدقاء:
- السيد محمد السيد عبدالرحيم الهاشمي و السيد احمد السيد هاشم، من الشخصيات الاجتماعية المعروفة، اللذان كانا يحرصان على الحفاظ على صلة الرحم والمشاركة في المجالس.
- سيف سلطان عوض محمد صقر الصيري القمزي، أحد أفراد العائلة الذين كانوا دائمًا يشاركون في هذه الرحلات، مستمتعين بالأجواء الطبيعية والتواصل العائلي.
- عوض سلطان عوض محمد صقر الصيري القمزي، رجل مشهود له بالكرم والطيبة، كان حضوره يضفي روح الألفة والسعادة على مثل هذه التجمعات.
- مطر سلطان عوض محمد صقر الصيري القمزي، أحد أبناء العائلة الذين نشأوا في هذا الجو العائلي المليء بالمحبة والترابط.
- هاشم السيد محمد السيد عبدالرحيم الهاشمي، الذي كان من الجيل الشاب في تلك الفترة، يستمتع بأجواء المقيض ويتعلم من كبار العائلة.
- عبدالحميد عبدالواحد و عبدالله عبدالواحد، اللذان كانا جزءًا أساسيًا من هذا المشهد العائلي، يجمعهما الود والاحترام مع الجميع.
أما بقية الأشخاص الذين لم يتم تحديد أسمائهم، فمن المحتمل أن يكونوا من سكان خصب، الذين كانت تربطهم علاقات وثيقة بالعائلات القادمة من الإمارات، حيث كان الجميع يعيش بروح الجماعة، يتشاركون الأوقات الجميلة في المقيض.
تحولات المقيض في أواخر الثمانينات
مع تغير الأوضاع وتطور وسائل النقل، بدأ البعض في أواخر الثمانينات بالتحول إلى مناطق أخرى للمقيض، مثل العين وصعراء وحماسا، بحثًا عن أجواء أكثر اعتدالًا وظروف معيشية أفضل. فالعين، بمياهها الجوفية وبساتينها الوارفة، أصبحت وجهة محببة، بينما احتفظت خصب بمكانتها في الذاكرة كرمز للماضي الجميل الذي لا يُنسى.
المقيض: عادة لن تموت
رغم تطور الحياة، يبقى المقيض تقليدًا جميلاً وذكرى لا تُنسى في وجدان الأجيال التي عاصرته. قد لا تكون التجمعات اليوم كما كانت في الماضي، لكن روح الترابط العائلي لا تزال مستمرة. لا يزال البعض يحرص على إعادة إحياء هذه العادات، سواء بالسفر إلى المناطق الجبلية أو البحرية، أو بالاجتماع في البيوت بعيدًا عن صخب الحياة العصرية.
ختامًا، هذه الصورة ليست مجرد لحظة تم التقاطها بعدسة كاميرا، بل هي نافذة على زمن جميل، تذكرنا بأن السعادة الحقيقية كانت تكمن في البساطة، وأن المقيض لم يكن مجرد هروب من الحر، بل كان مدرسة للحياة، نتعلم منها معنى العائلة والصداقة واللحظات التي لا تقدر بثمن.
المصدر: الصور من أرشيف هاشم السيد محمد السيد عبدالرحيم الهاشمي.
للاطلاع على توثيق ذكريات المقيظ من قبل الأرشيف الوطني، يمكنك زيارة الرابط التالي:
🔗 الأرشيف الوطني يوثق ذكريات المقيظ